الرئيسية / دين / خطبة الجمعة

خطبة الجمعة

وتتضمن الخطبه

أولاً :- إن من أعظم الأسباب التي جعلت المسلمين يتهاونون في ارتكاب المعاصي ويكثرون منها هو قلة الخوف من الله عز وجل، ونسيان عظمته سبحانه وتعالى، ونسيان ما أعده الله لمن عصاه ولم يقم بما أمر به، والناظر في حال السلف وما كانوا فيه من شدة الخوف من الله سبحانه وتعالى يرى الفرق كبيراً بيننا وبينهم، فقد كانوا كثيري العبادة ومع ذلك يخافون من الله أشد الخوف ألا يقبل أعمالهم، ونحن بالعكس منهم فقد كثرت ذنوبنا وقل خوفنا من الله عز وجل واستشعار مراقبته.

ثانياً:- حال السلف
هذا اليوم الذي كان يبكي منه أسلافنا، حتى كان أحدهم إذا أراد أن ينام لا يستطيع النوم تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً [السجدة:16] خوفاً من ذلك اليوم خَوْفاًوَطَمَعاً [السجدة:16].

يقول بعضهم: “ما رأيت مثل الحسن -أي: البصري – وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما”.

وبكى بعضهم قبل الوفاة بكاء شديداً فبكت أمه، قال: ولم تبكين؟ قالت: لبكائك يا بني! قال: أما إني أبكي لخوف المطلع عند الله جل وعلا في ذلك اليوم.

بل إن بعضهم كـسفيان الثوري وغيره كان إذا ذكر عنده الموت كان من شدة خوفه يبول دماً، أجلكم الله.

ما بالنا -يا عباد الله- الواحد منا يرتكب المحرمات إلا من رحم الله، وبعضنا يرتكب المنكرات العظام بل أكبر الكبائر والأمر عنده هين، والخطب سهل.. لماذا؟ لأن الخوف من الله جل وعلا لم يخالط قلبه.

عبد الله! أراك لا تصلي الفجر في الأسبوع إلا مرة، ولا تتذكر العصر إلا بعض الأحيان، وأراك تستمع بعض الأغاني، وتقع في غيبة بعض الناس، ثم لو سئلت قلت: إن ربي غفور رحيم.

اسمع إلى سلفنا كيف كانوا يخافون من الله جل وعلا: قال الحسن البصري: ” سمعت أن هناك رجلاً يخرج من النار بعد ألف سنة ” يقول الحسن: (قيل لي، وروي، وسمعت): أن رجلاً يخرج من النار بعد ألف سنة أي: بعد أن يمكث في النار، قال: ” وددت أنني ذلك الرجل” أي: أود وأتمنى أني أمكث في النار فقط ألف سنة.

عباد الله! هل وصلنا إلى هذه الدرجة؟ أم أن الواحد منا قد ضمن نفسه مع أنه لا يصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة في بيوت الله؟ والصلاة ما كان يتركها إلا المنافقون في عهد النبوة، وكان الذي يصلي الجماعة يخاف على نفسه من النفاق.

عباد الله! هل وصلنا إلى هذه الدرجة من الخوف؟ الواحد منا يعطي من نفسه ويقوم الليل ثم يخاف من عذاب الله جل وعلا.

يقول عروة بن الزبير: كنت أبيت، ثم إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة فأسلم عليها -أول بيت في الصباح أسلم عليه بيت عائشة – يقول: فقدمت عليها يوماً فإذا هي قائمة تصلي وتبكي -لعله قبل الفجر، ولعله في الضحى، ولعله في وقتٍ من الأوقات- قال: قائمة تبكي وتقرأ قول الله جل وعلا: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] فنظرت إليها تبكي، فأعادت الآية مرة أخرى فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] فانتظرت فأعادت الآية مرة ثالثة ورابعة وخامسة وأخذت تعيدها وتبكي، فقلت: أذهب لأقضي حاجة لي فأرجع، قال: فذهبت، ثم رجعت بعد زمن، فنظرت إليها قائمة تردد نفس الآية وتبكي رضي الله عنها وأرضاها

ثالثاً
إن كتاب الله مليء بالآيات والمواعظ، ولكنْ لا يتعظُ بها إلا الخائفون، ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾.

ويرسل الله الآياتِ مع الأنبياء عليهم السلام تخويفا للعباد، قال تعالى: ﴿ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾. وكذلك الآياتُ الكونية كالبرق والرعد وغيرها، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ﴾، وكذلك الخسوف والكسوف قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ)).

رابعاً حال الصحابة

عباد الله:
لقد كانت خشيةُ الله عز وجل تلازم الصالحين والأتقياءَ من عباده، لذلك كانوا يجتهدون في العمل ويُخلصون ويسألون الله القبول، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تفطرت قدماه خشيةً من الله وإجلالاً وتعظيماً له.

وكان أبو بكر رضي الله عنه كثيرَ البكاء، وكان يُمسك لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد) وإذا قام إلى الصلاة كأنه عودٌ من خشية الله.

أما عمرُ رضي الله عنه فكان يمر بالآية من ورده بالليل فتخيفُه، فيبقَى في البيت أياماً يُعادُ يحسبونه مريضا، وكان في وجهه رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء.

وكان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكي حتى يَبُلَّ لحيته، ويقول: (لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيَّتُهما يُؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيَّتُهما أصيرُ).

وأما علي رضي الله عنه فكان يستوحشُ من الدنيا وزهرتِها، ويستأنسُ بالليلِ وظلمتِه، وكان غزيرُ الدمعة، طويلُ الفكرة، ويبكي بكاء الحزين، وكان يقول: آهٍ آه من قِلَّةِ الزاد وبُعْدِ السَّفر ووحْشَةِ الطريق.

أما ابن عباس رضي الله عنه فكان أسفلُ عينيه مثلُ الشّراكِ البالي من البكاء.

وأبو عبيدة رضي الله عنه يقول: ودِدْتُ أنِّي كنت كبشاً فيذبحُني أهلي فيأكلون لحمي ويشربون مرقي.

ولما حضرت معاذ بن جبل رضي الله عنه الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت وأنت؟

فقال: ما أبكي جزعاً من الموتِ أَنْ حلَّ بي، ولا دنياً تركتُها بعدي، ولكنْ هُمَا القبضتان، قبضةٌ في النار وقبضةٌ في الجنة فلا أدري في أيِّ القبضتينِ أنا.

وهكذا كان حالُ صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما هم عليه من التقوى، وإخلاصِ العمل، والجهادِ بأموالهم وأنفسهم، وفيهم المبشرون بالجنة، كانوا إذا ذُكِرَ الله هملت أعيُنُهم حتى تبتلَّ جيوبهم، ومَادُوا كما يَميدُ الشجرُ يومَ الريحِ العاصف؛ خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب.

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الإطلالة 923 للقمص بطرس بعنوان كلمة وآية

الإطلالة 923 للقمص بطرس بعنوان كلمة وآية كتب : فريد نجيب – الله محبة ووصية ...