بقلم / صلاح بدران
جاء الإهداء مغايرا لما يمكن رصده مما يصدر به الشعراء دواوينهم، فلم يحمل خصوصية الإهداء، وكأن الشاعرة تفرد من ذاتها وروحها مساحة كاملة للشعر خارج حدود إنسانيتها وأمومتها وعلاقاتها الاجتماعية، ويكشف عن علاقة شعورية مع الفن من حيث هو إهداء للشعر وعالمه.
ثم إن أولى عتبات الولوج إلى عمق الديوان تتمثل في حالةالوجد التي تطالعنا بها العناوين والعبارات؛
ماذا جنيت؟/ هو ليس عدلا/ جرح قدير/ وحدي مضيت/ منهوبة الأحلام/ الشِّعر مفتاح الألم/ كيف السبيل….
وجميعها عناوين كاشفة وموحية ترصد لنا
مبدعة مصطدمة بالحياة من وجهها العبوس في الكثير من جملها الإبداعية..
تاجرت باسم الحب في أقداركم…
مَن ياصغارا جائعين إلى ممارسة الطفولة…
مالي سبع آيات لأذكرها…
“ياصغارا جائعين” يؤكد حضور ذلك الوجد
استخدام المنادي في صيغة النكرة غير المقصودة للتأكيد على حالة الذهول عن المخاطب مع أنه الأقرب كما يشي النّص الذاتي جدا.
إلا أننا وفي ظل حالة الوجد هذه نلمح مساحات واسعة من نبرات الحنين الأنثوي البارقة مثل؛
سبابتي تمتد نحو قميصه
وتفك أزرار الأحاجي خلسة
وتقد أستارا توارت خلفها…..الخ
وفِي رائعة الديوان كما أري
أرّقت عينيك
ذي عيناك ترهقني
لو كنت تجهل ، طرف القلب لمّاح
أما عن القيم الفنية، فقد مضت الشاعرة على درب الشعراء الثابت الأصيل في هذا الاتجاه، حيث الارتكاز على الصورة الفنية في صورها المختلفة من جزئية وكلية وواقعية ، وجاء المزج بين الصورة والرمز رشيقا ممتعا.
ولا نتغافل عن بكارة التصوير الفني التي جاءت واضحة تكشف عن ذائقة إنسانية فطرية فطرت على الانصهار في عوالم الشِّعر والتشكيل تقول؛
لا..
لم تصفّق لي جماهير الحروف.
تفنى القصائد كلها في حجر أوجاع الحياة..
الدهر يقطف أحلامي ويسحقها.. أضغاث حرف
إلى آخره.
هذا التوهج في قولها : أضغاث حرف يمثل تجاوزا لماهو راسخ في التعبير الأدبي لتصل بين الذات الواجدة وقضية الشِّعر لديهاإذ إن الشِّعر أذكار الصباح
وحُجتها نحو المساء
وحِجتها يوم اللقاء
مع الاعتراف بأن القريض الحرّ أجمل تهمة تحيا بها..
أما عن الصورة الواقعية فهى ترسمها كأنه لقطة فوتغرافية تنقلك إلى دلالة خفيّة كقول الشاعرة
عرفت بباب هاتفك الهوى
هاقد تواثبت الدموع على فمي
حيث جعلت الدموع تتواثب أحرفا وقد جاوزت بهذه الصورة الثابت المتمكن في التعبير الأدبي وجعلت الفم باكيا بدلا من العين، والأحرف هى الأدمع…
وهنا تطالعنا الشاعرة بكثير من الصور الكلية الجيدة التي تكشف عن قدرة فنيّة في التصوير، وتمرّس في تتبع الشِّعر والعكوف عليه .
المباشرة والبنى التحتية للعبارة؛
—————————
إن المباشرة هى إحدى الأدوات التي يعمد الشاعر لها في سبرأغوار قضاياه، فهي شاعرة تكتب ذاتها بوضوح بدلالات فنية كاملة، لا تفرغ من الجمال الفني…
ويبدو هذا جليا في بعض الأبيات منها؛
الشِّعر سجن الراهبات….
قد عاد قلبي للتوجع راغبا..
ضيَّعت نجمك في الصبابة مااهتديت
أخفيك عني بعض أستار الظلام.. فلمتها
وبكيت صمتا ما بكيت.
وإذا ما رجعت للبنية التحتية للعبارة بحيث يصبح ظاهر التعبير قيد التجاوز، وجدت الشاعرة مكينة في هذ الآداء في متفرقات كثيرة موزعة بين قصائد الديوان..